الخميس، 29 ديسمبر 2011

دور حوكمة الشركات فى تحقيق فاعلية وكفاءة عملية المراجعة

دور حوكمة الشركات فى تحقيق فاعلية وكفاءة عملية المراجعة
دراسة ميدانية


إعداد
الدكتور/ محمد عبد الفتاح محمد عبد الفتاح
الأستاذ بقسم المحاسبة والمراجعة
كلية التجارة – جامعة عين شمس

مقدمة:
          شهدت السنوات الأخيرة اعترافاً متزايداً ، بأهمية حوكمة الشركات فى تأكيد سلامة التقارير المالية ومنع وقوع الغش والاحتيال ، "وتعمل المراجعة كوسيلة مراقبة وتأكيد وبالتالى يمكن اعتباها جزءاً من منظومة حوكمة الشركات" (1). وقد وجد هذا المصطلح طريقه  فى الكثيرمن كتابات الباحثين فى الأدب المحاسبى وفى التطبيق العملى ، حيث وصفه  Sir Adrian Cadbury باعتباره " الأسلوب الذى يمكن من خلاله توجيه ومراقبة منشآت الأعمال"(2).


إن مصطلح حوكمة الشركات ، يحمل على بساطته ، مجموعة من العناصر الأساسية والتى تشتمل على الأداء وما يتعلق به من تقييم وما يستلزمه من التزامات ، فإذا كان الغرض الأساسى الذى من أجله أُنشأت المنشأة هو تحقيق مستوى معين من الأداء ، فإنه فى ذات الوقت ، يجب على المنشأة الإلتزام بالمعايير المناسبة ، القواعد ، القوانين ، اللوائح ، السياسات ، والتوقعات التى تشكل فى مجموعها إطار العمل الذى يمكن من خلاله تقييم الأداء.

زادت أهمية حوكمة الشركات فى العديد من الاقتصاديات المتقدمة والناشئة ، خصوصاً فى أعقاب الانهيارات الاقتصادية والأزمات المالية التى شهدتها عدد من دول شرق آسيا و أمريكا اللاتينية وروسيا فى تسعينيات القرن الماضى  ، وكذلك ما شهدته الولايات المتحدة فى بداية القرن الحالى من انهيارات مالية ومحاسبية ، أتت على عدد من الشركات العملاقة وكذلك مكاتب المحاسبة والمراجعة الكبرى المرتبطة بها.

أدى تزايد أحجام المنشآت إلى انفصال الملكية عن الإدارة ، وبدأت تلك المنشآت الآخذة فى النمو فى البحث عن مصادر للتمويل تكون أقل تكلفة من المصادر المصرفية التقليدية ، فاتجهت نحو أسواق رأس المال ، وقد ساعد على ذلك ما شهده العالم من تحرير للأسواق المالية ، وتزايد حركة رؤوس الأموال الدولية . ويمكن القول بأن تزايد أحجام الشركات وانفصال الملكية عن الإدارة ، قد ارتبط فى كثير من الحالات بضعف آليات الرقابة على تصرفات المديرين ، وبالتالى تزايد حالات الغش التى أدت فى نهاية الأمر إلى الوقوع فى الأزمات المالية.


لقد جاءت قواعد وسياسات الحوكمة من أجل الاعتماد عليها فى تحقيق مستويات الأداء المطلوبة وكذلك إحداث التوازن المناسب فى مستويات الأداء والعمل على تأكيد تكاملها ، إضافة إلى الشفافية وتفعيل المساءلة. إن واقع الأمر يبين عدم وجود معايير للمراجعة تربط بين العناصر المكونة لحوكمة الشركات وعملية المراجعة وتوضح تأثير وجود أو عدم وجود تلك العناصر وتكاملها على تحقيق كفاءة وفعالية عملية المراجعة (1). إن وجود نظام فاعل لحوكمة الشركات يمثل حجر الزاوية لقبول المراجع لعملية المراجعة بداية ، كما أنه يمثل خط دفاع لتأمين الأداء الكفء والفاعل لعملية المراجعة ، والتى تنتهى بإصدار المراجع لتقرير مراجعة ، ينطوى على أقل درجة ممكنة من المخاطر.

مشكلة البحث:
 تهدف قواعد وضوابط  وسياسات (مبادئ) حوكمة الشركات ، لتحقيق الشفافية والعدالة، وتفعيل المساءلة المحاسبية لإدارة الشركة، وبالتالي تحقيق الحماية للمساهمين وأصحاب المصالح بصفة عامة ، والحد من استغلال السلطة في غير المصلحة العامة للشركة ، بما يؤدى إلى  النهوض بمعدلات الأداء وتعظيم قيمة المنشأة وتحقيق الشفافية والإفصاح العادل. كما أن تلك القواعد والضوابط والسياسات ، تؤكد على أهمية الالتزام بالقوانين واللوائح التى تحكم أداء الشركة ، والعمل على ضمان مراجعة وتقييم الأداء ، ووجود هياكل إدارية تمكن من محاسبة الإدارة أمام المساهمين، مع تكوين لجنة مراجعة من غير أعضاء مجلس الإدارة التنفيذيين تكون لها مهام واختصاصات وصلاحيات خاصة بتحقيق رقابة مستقلة على الأداء.


             أصبحت حوكمة الشركات من الموضوعات الهامة التى تحظى باهتمام كبير من جانب الباحثين والتجمعات المهنية للمحاسبة والمراجعة ، بصفة عامة ومن جانب منشآت الأعمال بصفة خاصة ، وذلك بعد سلسلة الأزمات المالية المختلفة التى حدثت في الكثير من الشركات وخاصة في الدول المتقدمة ، مثل الانهيارات المالية التي حدثت في عدد من دول شرق آسيا وأمريكا اللاتينية فى العام 1997 ، وأزمة شركة Ernon  والتى كانت تعمل فى مجال تسويق الكهرباء والغاز الطبيعى فى الولايات المتحدة الأمريكية فى العام  2001 ، وكذلك أزمة شركة Worldcom  الأمريكية للاتصالات  فى العام 2002 . وترجع تلك الانهيارات في معظمها إلي الفساد الإدارى والمحاسبى بصفة عامة والفساد المالى بصفة خاصة ، مع مراعاة أن الفساد المحاسبى ، يرجع في أحد جوانبه الهامة إلى تراخى دور مراقبى الحسابات وتأكيدهم على صحة القوائم المالية وما تتضمنه من معلومات محاسبية وذلك على خلاف الحقيقة.

          يرى البعض(1) ، أن من أهم أسباب انهيار الشركات المشار إليها آنفاً، افتقار إدارتها إلى الممارسة السليمة للرقابة والإشراف ونقص الخبرة والمهارة وكذلك اختلال هياكل التمويل وعدم القدرة علي توليد تدفقات نقدية داخلة كافية لسداد الالتزامات المستحقة عليها ، بالإضافة إلى عدم الاهتمام بتطبيق المبادئ المحاسبية المتعارف عليها ، والتى من شأنها تحقيق الإفصاح والشفافية بجانب عدم إظهار المعلومات المحاسبية لحقيقة الأوضاع المالية للشركة. وقد نتج عن هذه الانهيارات افتقاد الثقة فى الأسواق المالية المختلفة وانصراف المستثمرين عنها وكذلك افتقاد الثقة فى مكاتب المحاسبة والمراجعة ، نتيجة افتقاد الثقة فى تقرير مراقب الحسابات بصفة عامة والمعلومات المحاسبية التى تتضمنها القوائم المالية للشركات بصفة خاصة.

          
لقد ثار التساؤل عن حقيقة وفاعلية الدور الرقابى والتأكيدى الذى يلعبه مراقبوا الحسابات ، خصوصاً أولئك الذين كانوا يلقبون بالكبار فى مجال مهنة المحاسبة والمراجعة ، وذلك من جانب المساهمين وأصحاب المصالح فى الشركات وكذلك من جانب المجتمع ، وذلك بعد موجة المخالفات المحاسبية والمالية وما ترتب على ذلك من انهيارات اقتصادية ، ألحقت بلا شك ، خسائر مادية ، لعدد كبير من أصحاب المصالح. ولقد أُعتبر مراقبوا الحسابات بما يؤدونه من خدمات تأكيدية ، أحد الشركاء الأساسيين مع إدارات الشركات بطبيعة الحال، المسئولون عن عدم اكتشاف المخالفات والغش الذى تنطوى عليه القوائم والتقارير المالية محل المراجعة.

الواقع أنه يوجد كتابات محدودة للغاية ، تتعلق بكيفية أخذ حوكمة الشركات فى الاعتبار من جانب المراجعين ، وذلك عند صياغة الاستراتيجية المناسبة للقيام بمهمة المراجعة. ويلاحظ أن حوكمة الشركات الضعيفة ، غالباً ما ترتبط بجودة منخفضة للتقارير المالية ، وبالتلاعب فى الأرباح ، بالإضافة لمشكلات يعانى منها نظام الرقابة الداخلية، وما يترتب على ذلك من غش فى القوائم المالية(1).

إن نظام حوكمة الشركات الفعال ، قد يؤثر على المخاطر المرتبطة بعملاء المراجعة الحاليين أوالمرتقبين ، وأن ذلك بلا شك يجب أن يؤخد فى الاعتبار عند قيام المراجع باتخاذ قرار قبول العميل ، ويمكن القول أنه فى إطار قائمة معايير المراجعة رقم (47) لسنة 1983 الصادرة عن المعهد الأمريكى للمحاسبين القانونيين بعنوان " مخاطر المراجعة والأهمية النسبية" ، فإن قوة نظام حوكمة الشركات ، يكون لها تأثير على تخطيط برنامج المراجعة وكذلك على قرار المراجع فيما يتعلق بتوزيع أفراد فريق المراجعة للقيام بأداء عملية المراجعة(2). إن دراسة وفهم نظام حوكمة الشركات فى حد ذاته ، من المحتمل أن يساعد المراجع فى تقدير المخاطر المختلفة التى يواجهها العميل، وهذا بدوره يقود إلى مراجعة أكثر فاعلية وكفاءة. وبعبارة أخرى ، يمكن القول أن هيكل حوكمة الشركات الفعال الخاضع بصورة متكاملة ومستمرة لسيطرة ورقابة الإدارة ، قد لا يؤدى إلى تطبيق سياسات محاسبية متعسفة ، ولا يزيد من المخاطر المرتبطة بالعميل ، ولايؤدى لزيادة التكاليف المرتبطة بالمخاطر القضائية. ويرى الباحث أنه لاتوجد معايير أو إرشادات مراجعة توضح العلاقة بين عوامل أو مكونات هيكل حوكمة الشركات وتأثيرها على عملية المراجعة.


مما تقدم يتضح أن المشكلة التى يعالجها هذا البحث تتمثل فى تحديد إلى أى مدى يمكن أن تسهم العناصر المكونة لآليات الحوكمة الجيدة للشركات ، فى زيادة فاعلية و كفاءة عملية المراجعة ، وبالتالى إعادة الثقة التى يُضفيها تقرير مراقب الحسابات على التقارير والقوائم المالية محل المراجعة ، وكذلك زيادة درجة المصداقية والتأكيد التى ينطوى عليها هذا  التقرير.

أهداف البحث:
يسعى هذا البحث إلى تحقيق الأهداف الآتية:   
1-   التعرف على العناصر المكونة لآلية حوكمة الشركات وكيفية تفعيلها بما يكفل تحقيق الفاعلية والكفاءة لعملية المراجعة.
2-   الربط بين عناصر آلية حوكمة الشركات فى المنشأة محل المراجعة وزيادة الثقة فى تقرير مراقب الحسابات.
3- محاولة العمل على وضع اطار متكامل لكل من المراجعة الداخلية ولجنة المراجعة والدور الذى يقوم به مراقب الحسابات فى إطار منظومة حوكمة الشركات.


 أهمية البحث:
يمكن تبيان أهمية هذا البحث من خلال ما يلى:

       الأهمية العلمية:
تتمثل الأهمية العلمية لهذا البحث ، فى محاولة الوصول إلى إطار عمل متكامل يوضح دور العناصر المكونة لآلية حوكمة الشركات فى إطار المبادئ المحددة لها ، فى العمل على تحقيق الفاعلية وكذلك الكفاءة فى عملية المراجعة.

    
     الأهمية العملية:
                ترجع الأهمية العملية التى ينطوى عليها هذا البحث ، إلى وضع اطار العمل المقترح لتفعيل عناصر آلية حوكمة الشركات فى الاتجاه ، الذى يمكن أن يفيد منه مراقب الحسابات ، فى مجال تفعيل دوره التأكيدى لإضفاء الثقة على التقارير والقوائم المالية محل المراجعة والعمل على تضييق فجوة توقعات المراجعة.

منهج البحث:
          يتبع هذا البحث منهجين أساسيين فى بنائه وهما:
      المنهج الاستقرائى:
          وهو يعمل على توضيح الأبعاد المختلفة للمشكلة التى يعالجها البحث وتأصيلها علمياً ، وكذلك تبيان الأهداف التى يسعى إليها ، بالإضافة توضيح أهمية هذا البحث العلمية والعملية. ويعتمد ذلك على الاطلاع على الكتب العلمية والأبحاث المنشورة وكذلك الدوريات المرتبطة بموضوع الدراسة والمتمثل فى البحث دور فاعل لعناصر حوكمة الشركات فى مجال تحقيق الفاعلية والكفاءة فى عملية المراجعة.
     المنهج الاستنباطى:
            من خلال هذا المنهج يتم اختبار الفروض التى يقوم عليها هذا البحث ، وتحديد مدى قبولها أو عدمه ، وذلك فى اطار اختبار دور عناصر حوكمة الشركات الجيدة ، فى تحقيق كل من الفاعلية والكفاءة لعملية المراجعة ، وذلك من خلال طرح قائمة استقصاء على عينة الدراسة ، وتجميع الإجابات على العبارات الواردة بها ، والتى تشكل فى مجموعها الفروض التى يقوم عليها البحث ، وذلك بطريقة تجعلها صالحة للاختبار الاحصائى.

فروض البحث:
        يقوم هذا البحث على اختبار الفروض الآتية:
                    1-        لا تعتبر عملية المراجعة أحد مكونات منظومة حوكمة الشركات.
                    2-        تسهم حوكمة الشركات فى تحقيق فاعلية عملية المراجعة التى يقوم بها مراقب الحسابات.
        3-   يزيد تكامل لجنة المراجعة والمراجعة الداخلية كآليتين لحوكمة الشركات من كفاءة عملية المراجعة التى يقوم بها مراقب الحسابات.

خطة البحث:
          تم تقسيم البحث إلى المباحث الآتية:
المبحث الأول:
مدخل لحوكمة الشركات.
المبحث الثانى:
العلاقة بين حوكمة الشركات والمراجعة.
المبحث الثالث:
حوكمة الشركات وزيادة فاعلية وكفاءة المراجعة.
المبحث الرابع:
دور آليات حوكمة الشركات فى زيادة جودة المراجعة.
المبحث الخامس:
الدراسة الميدانية واختبار فروض البحث.
المبحث السادس:
ملخص البحث والنتائج والتوصيات.
هوامش مراجع البحث.
ملاحق البحث.

حدود البحث:
اقتصر البحث على دراسة تأثير كل من لجنة المراجعة والمراجعة الداخلية ، كآليتين هامتين من آليات الحوكمة ، وذلك على كل من فاعلية وكفاءة المراجعة.

مصطلحات البحث:
-           حوكمة الشركاتCorporate Governance                           
-           نظرية الوكالة                                 ِAgency Theory
-           فاعلية المراجعة                          Audit Effectiveness
-           كفاءة المراجعة                              Audit Efficiency ِ
-           جودة المراجعة                                  Audit Quality
-           لجنة المراجعة                               Audit Committee
-           المراجعة الداخلية                          Internal Auditing


(1)  Cohen, J., et al., 2002, Corporate Governance and the audit Process, Contemporary Accounting Research, CAAA, (Winter), 19,4, P:573.
(2) K. H., Spencer, The Essential Handbook of Internal Auditing, John Wiley Sons Ltd., England, 2005, P11.
(1)  Cohen,J. &D. Hanno, 2000, Auditors' Consideration of Corporate Governance and Management Control Philosophy in Preplanning and Planning Judgments. Auditing: A Journal of Practice and Theory, 19 (Fall), P: 134.  
 (1) J. Coffee “What Caused Enron?: A Capsule Social and Economic History of the 1990’s” (2003) Columbia Law School Centre for Law and Economics, Working Paper No. 214 ,P: 6.

(1) Carcello, J., & T.L. Neal,2000. Audit Committee Composition and Auditor Reporting, Accounting Review, Vol. 75,October, P.454. 
(2) Bell,T., et al.1997, Auditing Organizations Through a Strategic-Systems Lens,Montvale,NJ, KPMG Peat Marwick LLP.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق